أخبار محلية

الحضارة الأرمنية في التاريخ الحديث بقلم الدكتور يوسف ساسين

الحضارة الأرمنية في التاريخ الحديث

قفز التراث الأرمني قفزة نوعية في القرن التاسع عشر بعد أن حالف النجــاح العمل المدرسـي و الصحافة و العلوم و أصاب الأدب و الفن رقياً ملحوظاً. و كانت رومانسية الحياة السياسية في العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر قد طبعت تراث البعث الثوري بأثار واضحة للرغبة في التحرر و الاستقلال و الروح الثورية التحررية العارمة…

و خطى التراث خطواتٍ بطيئة في النصف الأول من القرن المذكور. ولكن الوضع تغيَّر فجأة بعد عام 1850 بعد أن حدثت هزات مهمــــة في حيـــاة الشعب الأرمني من ناحية الوضــع الاقتصادي والحياة العامة والسياسية وأثَّرت تأثيراً مباشراً على التراث الأرمني عموماً. فقد نزل الى حلبة الكفاح التحرري والنضال الثوري والرغبة العارمة بالاستقلال القديسون الجدد – الثوريون بالعقائد السياسية المختلفة – حَمَلَةُ الأفكار الثورية التي عمت أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. فحصلت حركة التحرر الأرمنية دفعاً جديداً من القوة الثورية والشبــــاب السياسي الواعي. والى جانب التراثين المادي و الروحي في كتاب الحضارة الأرمنية أضيف التراث الثوري (بصورة مستقلة) الى صفحات هذا الكتاب بعد أن صبغ الثوار الجدد بالدم طريق التحرر و الخلاص من نير الاستعمار المتمثل دوماً بالسلاطين و القياصرة و الخانات..

و في محاولته المستمرة في إغناء تراثه المتكوِّن في القرن التاسع عشر، بذل الشعب الأرمني في بداية القرن العشرين جهوداً أكثر في إضافة ما هو جديد على القيم المتكونة تحت ظروف صعبة جداً، فقد أصبحت الحركات التحررية و الروح الوطنية الثورية مقاييس أو معايير لقيم التراث الجديد المضاف الى صفحات الحضارة..

وبضربة حظٍّ تعيسة أوقفَ التحوَل التاريخي الظالم الرُقيَّ الطبيعي للشعب الأرمني. ففي سنة 1915 نظَّمتِ الحكومة التركيةُ عمليةَ إبادةٍ جماعية للأرمن الغربيين بقتلهم وإبعادهِم عن أرضِ آبائهم. وبسبب هذا الظرف المفاجئ توقَّفَت حياة التراث لذلك الجزء الأكبر من الأرمن عن الخفقان. و كانت النتيجة أن سَلَكَ الآلاف منهم درب الهجرة الى ديارٍ جديدة، و كانت تلك مجزرة حمراء بحق الأرمن الغربيين:.

و أخيراً، نصل الى تلك القناعة بأن صيغة التراث تتحَدَّدُ دوماً بالبيئة الجغرافية و الاجتماعية اللتين تحيطان به. فالأرض القومية هي التراب التي تتجذَّر فيها وتنمو عليها وتُعطي ثمارها شجرة التراث الباسقة لأي شعبٍ من الشعوب في غابة حضارتها. فالتراث الأرمني هو ثمرة أرض القومية الأرمنية والتاريخ الأرمني وحضارته. فمن خلال القرون أزدهر التراث الأرمنــــــــي على ضفاف التاريخ الأرمني بعنفوان الشباب مرّة ليكون كالجبل كما قال أبن خفاجـــــة “وأرعن طمّاح الذؤابة باذخِ / يطاولُ أعنانَ السماءِ بغاربِ”، وبخطى ثقيلة مرات أخرى مجسِّداً روح الأمة الأرمنية بفرحها وبؤسها، بحُبِّها وكراهيتها، بآمالها وخيبات آمالها، فالوطن القومي أصبح كالأرضِ الخصبة المعطاء التي أخذ التراث منها قوته وغذاءه.

بعد اجتياح المغول لبغداد، فقدت الامة الأرمنية الكثير من المخطوطات الغنية بنتاج المعرفة الانسانية الأرمنية. الا ان ذلك لم ينهي عصر الابداع الأرمني بل على العكس تابع هذا الشعب انتاجه الفكري والفني وما زالت البشرية تتمتع بإبداعات العديد من النوابغ الأرمنية.

منذ العام 1908 وعلى تحريض من الجمعيات السرية الى سقوط ما يضاهي 100000 ضحية. وفي نفس المرحلة تشير احصائيات المؤرخين الى البدء بدفع مجموعات من الأرمن، بالذهاب الى الجنوب المشرقي سيرا على الاقدام وكانت أولى المجمعات الكبيرة قد بدأت 1912 وربما كان هناك اخرين قبل هذا التاريخ ولكن بأعداد اقل.

ربما كانت عمليات الطرد القسري الذي مارسته السلطات المتنازعة على السلطة الا انها متفقة على قهر المجموعات الأرمنية المسالمة والمطالبة فقط ا بالعدالة الاجتماعية.

ما بين سنتي 1915 و1917 كان أكثر من مليوني ارمني قد اجبروا وبوتيرة متسارعة من اخلاء مناطق اقامتهم والانطلاق سيرا على الاقدام الى الجنوب باتجاه المشرق في سوريا.

المثير للانتباه هو دخول المجموعات العربية، في عملية انتباه لما يجري في الأراضي العثمانية وإطلاق أبشع عمليات تطهير عرقي وما يعادل الإبادة الجماعية ضد الشعب الأرمني. وقد أصدر الشريف حسين وهو جد الملك عبد الله الثاني مرسوما موجها للقبائل العربية بإيواء الأرمن المطرودين وحمايتهم من العصابات الصغيرة التي كانت مسيرة هؤلاء المبعدين وتعتدي عليهم وتغتصب النساء وتقتل الرجال، وتسلبهم من الأغذية والاطعمة في حال توفرها لديهم مما يثبت النية الجرمية ومبدأ الإبادة على عمليات الطرد التي نحن بصددها.

تشير بغض الوثائق ان ان عدد القتلى الذين سقطوا في تلك المرحلة فقط بين 1915 الى 1916 بلغ: 1.500.000

تقديراً للشعب الارمني العظيم، احتراما لمسيرته في درب الالام، وتقديرا وتكريما لانتصاره على الظلم، لا بد لنا من ان انحني اجلالاً، لذكرى الشهداء الأرمن، واحتراما لأرواحهم التي تظلل حاضرنا وسبيلاً ندعو اليه لمكافحة الظلم، طمعاً بالحرية والتقدم واتباعاً للطريق المستقيم الطريق في هذه المسيرة، تبقى شهادة آلاف الأرمن رمزاً ومنارةً للقيامة الحقة.

انتجت الامة الارمنية، بعقول وقلوب افرادها ادباً وثقافةً وحضارةً، متعددة الاوجه والأشكال. ظهرت الابجدية الارمنية في حوالي سنة 400-410، وعندما اجتاح المغول بغداد، لؤلؤة الثقافة في ذلك الزمان، واحرقوا مكتبتها، فقدت الثقافة الارمنية عشرات الآلاف من المدونات والمخطوطات والوثائق باللغة القومية. اما اول الكتب المطبوعة باللغة الارمنية، فقد تم اصداره في العام 1512 في البندقية، منارة حداثة ذلك العصر، بعد ستون عاما فقط على اختراع الطباعة في المانيا.

وبالمناسبة فقد كان للأرمن باع طويل في نشر الثقافة حتى غير الارمنية. لقد أصدر الارمني الاصل الملقب برزق الله حسون اول جريدة عربية يصدرها فرد، في اسطنمبول وذلك سنة 1855. ويشدنا الى تاريخ الأرمن العظيم شخصية الوزير اللبناني الراحل (وهو ارمني اصيل)، خاتنيك بابكيان، البليغ عربيا والمستقيم سياسيا والارمني قلبا وقالبا رغم لبنانيته الانيقة.

ولم يكن اقل عطاء الموسيقار الأرمني ارام ختشادوريان الذي عشقت موسيقاه الملايين من الروس! ومازال الفنان الأرمني المبدع شارل ازنافور يبدعنا بصوته، وكي لا ننسى نعود لذكر الرسام الارمني مرديروس سارايان. ولا نقصر بذكر أبو الشعر الأرمني: هوفهاينس تومانيان.

بعد النكبة، تجاوز الشعـب الارمني الإبادة الا انهلن ينساها، مظهراً عزيمه اقوى من بطـش جلادي وطغاة ذلك العصر.

انتجت الامة الارمنية، بعقول وقلوب افرادها ادباً وثقافة وحضارة، متعددة الاوجه والأشكال. ظهرت الابجدية الارمنية سنة 400-410، وعندما اجتاح المغول بغداد، لؤلؤة الثقافة في ذلك الزمان، واحرقوا مكتبتها، ففقدت الثقافة الارمنية عشرات الالاف من المدونات والمخطوطات والوثائق باللغة القومية. اما اول الكتب المطبوعة باللغة الارمنية، فقد تم اصداره في العام 1512 في البندقية، منارة حداثة ذلك العصر، بعد ستون عاما فقط على اختراع الطباعة في المانيا.

لتعريف الإبادة الجماعية على أنها جريمةً ضد الإنسانية، يحب ان ندرك ان ما جرى للشعب الأرمني له علاقة بالدور الذي حضرت له السلطات العثمانية في ذللك الزمان، وبتأثير من الجمعيات العديدة التي نشأت في خضم حراك سياسي كبي، بعد ان ظهر للمجتمع التركي ضعف السلطنة وانفجار الصراع ضد الاتراك وكانت في الأساس هي حركة تركيا الفتاة، وقد اثارت نشاطا هائلا في هذا الاتجاه جمعية الاتحاد والترقي، التي ساهمت في تأجيج الحركة ضد الشعب الأرمني.

 

يوسف نجيب ساسين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى