ببالغ الحزن والأسى، تودع زحلة اليوم أحد أبرز رموز الشعر فيها، الشاعر نبيه أبو سليمان. في هذه المناسبة الأليمة، كتبت الإعلامية نيكول صدقة في موقع “أصداء زحلة”:
وداعًا أيها النبيه: سيرة رجلٍ من أعلام زحلة”
رحل الرجل الاستثنائيٌ الذي اقترن اسمه بالشعر والأدب والتربية، رحل ال” نبيه” وترك خلفه بصمات لا تُمحى في ذاكرة مدينته وأجيالها. هذا الرجل هو أحد أعلام زحلة البارزين، الذي كرّس حياته لخدمة لغتنا العربية الجميلة وتعليم أجيالها، متجاوزًا حدود الزمان والمكان بأعماله الأدبية الرائعة.
لقد كان شاعرًا قديرًا يعرف كيف ينقل مشاعره وأفكاره في كلمات بسيطة ولكنها مليئة بالجمال والعمق. رواياته وكتبه لم تكن مجرد صفحات مكتوبة، بل كانت بوابات لعوالم من التشويق والجمال، تأخذ القارئ في رحلات فريدة تمزج بين الواقع والخيال بطريقة ساحرة. كان له القدرة على أن يُخرج القارئ من حياته اليومية ليعيش لحظات مليئة بالسحر والإلهام.
لكن هذا الرجل لم يكن مجرد كاتب وشاعر. كان أيضًا مربيًا للأجيال، ينقل علمه وحبه للغة العربية إلى طلابه بشغف وإخلاص. كان يرى في كل طالب مشروعًا لمستقبلٍ أفضل، وكان يؤمن بأن التعليم هو السلاح الأقوى لبناء مجتمعٍ مزدهر ومثقف. لم يكن يوفر جهدًا في تقديم كل ما يمكنه لخدمة طلابه، مما جعل منه ليس فقط معلمًا، بل قدوة يحتذى بها.
ومن خلال عضويته في أسرة ”أصداء زحلة والبقاع”، ساهم في إثراء الحياة الثقافية في المنطقة، وكان له دورٌ بارز في تنقيح اللغة العربية، محافظًا على جمالها ودقتها، ومضيفًا إليها لمسات من عبقريته الأدبية.
حبه لزحلة كان واضحًا في كل ما يفعله. كان يرى في هذه البلدة مصدر إلهامه، وكان يعبر عن هذا الحب في كتاباته وأعماله، ليجعل من زحلة ليس مجرد مكان يعيش فيه، بل وطنًا يعيش في قلبه وعقله. لقد أعطى لزحلة الكثير، وجعلها أكثر إشراقًا بجمال كلماته وصدق مشاعره.
إن الحديث عن هذا الرجل المميز لا يمكن أن يفيه حقه. لقد كان رمزًا للعطاء والإبداع، ومثالًا للشخص الذي يعيش حياته بصدق وإخلاص، يترك أثرًا لا يُنسى في قلوب وعقول كل من عرفه أو تأثر بأعماله. ستظل ذكراه خالدة، وأعماله مصدر إلهام للأجيال القادمة.
وداعا ايها ”النبيه”
نيكول صدقة
مقتطفات شعرية في الرثاء والغزل والهجاء للشاعر نبيه أبو سليمان
إقتطف الموت غصناً نضراً يانعاً، أو قل فتى في ربيع عمره وزهرة شبابه، بعد تعرّضه لحادث سير مفجع!…
”جورج جوزيف الحلبي”، الذي عرفته جنديًّا شجاعاً، وفتى دمت الأخلاق، عطوفاً محبّاً؛ رثيته بالأبيات التالية:
يا من تهادى، وفي أحلامه القمرُ
يا من تمادى، بفعل الخير، يفتخرُ
يا من تنادى، مع الصّلّاح؛ في لهـــــفٍ
إلــــى المزايا… بعشقِ البرِّ يأتزِرُ
صيفاً غدوتَ، حنوناً، دافئاً، نضـــــــرا
ضيفــاً نزلت وإذ بالعمرِ يُخْتَصَرُ
طيفاً حلَلْتَ، ففي أحلامـــــــنا عبقٌ
سيفاً كُسِرْتَ، ودمع العينِ ينهمِرُ
يا ”جورجُ” غبتَ، وفي الفردوسِ مُنتجعٌ
يأوي الطَّــهورَ الذي ما عابَهُ عَثَرُ
تركْتَ في القلبِ غدرَ الدّهرِ يوجعـــنا
تركتَ نقصاً… تركْتَ العينَ تنتَحِرُ
أمرُ الإلَــــــــــــهِ… فـلا ردٌّ ولا عتبٌ
آن الرّحيــــل، وآنَ الهجرُ والسَّفَرُ
وفي ليلة صيفيّة مقمرة، طالعت عيناي حسناء، جالسة على مقعد يستريح في شرفة منزلها، فكانت لها هذه الأبيات:
حلَّ السّكونُ، وليلٌ بدرُهُ ألـــــــــــقُ
أيّارُ يروي حـــــــكايا، كلّها عبقُ
ومقعدٌ، حضـــــنت- شوقا- مسانِدُه
حوريّة الــــدّار منها الوهجُ ينبَثِقُ
بدرُ السّماءِ انزوى والقـــــــهر ينخزُهُ
من غيرةِ العشقِ، قلبُ البدر يحترِقُ
والمقعدُ المنتـــــشي يغفو على حُلُمٍ
ضــــــمَّ الجمالَ، فغار الفلُّ والحبَقُ
ألوجهُ نورٌ، وشـــــــــــعرٌ أشقرٌ، لُمَعٌ
يمازحُ العــــــنقَ، وهو السّاهِرُ الأرِقُ
يا ليلةً سكرت، بــــــدران قد سطعا
بدرُ السّمـــاء، وبدرُ الأرضِ، فالسَّبقُ
وفي أثناء زيارتي لصديق، دخلت جارةٌ له، لن أغرق الآن في وصفها، تاركاً للأبيات التالية أن تقوم بذلك:
ألا يا عينُ عنها أنقذيـــــــــــــــني
فمن لسْعاتها شُلَّت يميني
فــــــــــــيا قبحاً تغلغل في الزَّوايا
إذا خاطبتني قد تقتليني
براك الله شــــــــــــــــقراءً ولكن
لسانك علقمٌ، فلتعذريني
فلا حسنٌ ولا ذوقٌ ولــــــــــــــطفٌ
فيا دنيايَ عنها أبعديني