بات معلوما لدى الجميع أن أكثر من خمس الشعب اللبناني قد أصبح نازحا، هذه الشريحة الكبيرة من الأبرياء قد تغير مصيرها ومستقبلها بين ليلةوضحاها ،فترك المعرضون لخطر الموت منازلهم ليبحثوا عن مركز للايواء من القصف العنيف الذي تعرضت له قراهم ،بعد أن دمرت الطائرات الحربية الهمجية مبان سكنية بالكامل كانوا يقطنونها.
لقد خاض الكثيرون رحلات نزوح طويلة انتهت بهم إلى مراكز للايواء في قرى وبلدات لم يزورها أو يسمعوا بها من قبل .
أكثر من ٣٠٠٠ شهيدا و١٥٠٠٠ جريحا ،,بالاضافة إلى مدن وقرى اختفت بالكامل بعد أن تعرضت لتدمير شامل وتهجير واسع.
الا أن هناك عدة أسئلة يتناولها اللبنانيون في جلساتهم واحاديثهم اليومية ولا بد من طرحها اليوم على بساط البحث وهي:
*- كيف سيعود هؤلاء المهجرون إلى بيوتهم ؟وهل سيتعرفون على أثار منازلهم التي تقع في قرى وبلدات اختفت معالمها بالكامل؟
-*- هل سيعلمون أين أصبح جيرانهم واهلهم واين ركنوا سياراتهم التي تحولت إلى غبار؟
*كيف سيعتاش المواطن الذي احترقت أرضه واختفت موارد رزقه وضاع جنى عمره؟
*أين سيسكن هؤلاء المشردون واللاجئون الذي يقطنون اليوم المدارس والجامعات الرسمية والخاصة ومراكز الايواء المتخلفة؟
*هل ستتوفر البيئة الصحية والغذائية السليمة والمقومات الأساسية للأمن البشري ؟
لا شك في أن المصائب والويلات تلاحق اللبناني منذ سنوات عديدة، فلا زال لبنان يعاني من أزمة اقتصادية خانقة منذ العام ٢٠١٩، ناهيك عن انفجار المرفأ في العام ٢٠٢٠ الذي دفع بالكثيرين إلى الهجرة بحثا عن الاستقرار وعن فرص افضل للعمل، اضف الى ذلك الى أن الكيان اللبناني هش واوصاله اصلا مفككة ، فلا رئيس للجمهورية ولا حكومة شرعية ولا مجلس نيابي ملتئم ولا خطط اقتصادية إنقاذية.
ونتيجة الحرب الهمجية التي سوف يمضي عليها حوالي الشهران، فقد اختفت أبنية سكنية ومحلات ومؤسسات بالكامل وتضررت البنى التحتية للبلاد ،الأمر الذي يتطلب إعادة بناء ضخمة ،كما وازدادت نسبة البطالة وأصبحت الشركات تعاني من حالات ركود وكساد اقتصادي ، وحتى لو حل السلام غدا فسوف تتجنب الشركات الأجنبية والمستثمرون ،لسنوات طويلة، الاستثمار أو ستلغى المشاريع المخطط لها في هذا البلد الذي يصنف من أكثر المناطق غير المستقرة وغير الآمنة في العالم ، وستكون عملية التعافي طويلة الأمد .
لقد كشف البنك الدولي أن الحرب في لبنان أدت إلى تضرر قرابة ال ١٠٠ الف وحدة سكنية ، كما تسبب الصراع في خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة ٦.٦ % هذا العام.، وأكد البنك الدولي أن نحو ١٦٦ الف فرد في لبنان قد فقدوا وظائفهم جراء الحرب الاسرائيلية، مشيرا إلى أن خسائر قطاعات الأسكان والتجارة والزراعة في لبنان جراء الحرب قد بلغت٦.٤ مليار دولار.
مما لا شك فيه أن نصيب المواطن اللبناني أن يعيش في حالة مستمرة من الذعر والقلق والتوتر ، اذ مر بالكثير من الحروب والصراعات والاغتيالات وحالات من عدم الاستقرار الأمني والسياسي والتي كانت سببا في هجرة الآلاف من اللبنانيين الذين اختاروا الغربة والعزلة من أجل أن يحققوا حياة طبيعية ومستقبلا آمنا لأولادهم.
إن المواطن اللبناني يموت كل يوم ببطء، فكيف سيواجه الفقر والجوع والعوز بعد انتهاء الحرب،خصوصا وأن فقدان الأمل بالغد هو أكثر ما يخشاه ،لا سيما وأن الدولة عاجزة عن القيام بواجباتها، لذلك لن يكون أمام العائد إلى دياره سليما إما الصلاة أو الوقوع رهينة الانهيار النفسي أو الجنون.
د.ريتا السلوى عطالله