
لا يحتاج المرء إلى جهد كبير ليُدرك أن “القوات اللبنانية” وضعت كل إمكاناتها لتحقيق انتصار كبير في الانتخابات البلدية على امتداد كل الخريطة اللبنانية، وقد بدأت التحضير لها منذ وقت طويل، وهذا الأمر ستكون له إنعكاسات كبيرة على المناطق المسيحية التي تشهد ارتفاعاً في شعبية “القوات”.
صحيح أن الانتخابات البلدية والاختيارية يغلب عليها عادة الطابع العائلي والأهلي في المدن والبلدات والقرى، وهذا ما تنبّهت إليه قيادة “القوات”، فوضعت استراتيجية خاصة بها لخوض المعارك، إلا أن “القوات” هو حزب سياسي أولاً وآخراً، وبالتالي لا يمكن فصل هذه الانتخابات عن الأهداف السياسية التي تصبو إليها معراب.
وتتحدث مصادر قواتية عن أنه لا يُمكن خوض الانتخابات البلدية في قالب حزبي جامد، بل يحتاج الأمر إلى مرونة، وهذه المعادلة تبدو الأكثر فعالية لعدم خدش الكبرياء العائلي أو المجتمع الأهلي وتأثيره على الناخبين، وليس سراً أن رئيس “الحزب” سمير جعجع غالباً ما كان له موقف تاريخي من الاقطاعية العائلية، ويعمل للتحرّر منها، لكنه يعلم في الوقت ذاته أن ذلك يحتاج إلى وقت طويل لأن هذا الأمر متجذّر في الوجدان اللبناني، وكان لا بد من العمل عبر الشراكة مع بعض الأقطاب السياسيين العائليين، بحيث يكون مرشحو “القوات” مزيجاً من الوجوه الحزبية مع أفضل ما يُمكن أن يطرحه المجتمع الأهلي والعائلات من مرشحين ذوي نزعة إصلاحية.
بعد مرور 8 أعوام على آخر انتخابات بلدية واختيارية، وفق المصادر القواتية، أصبح وضع البلديات متدهوراً جداً وتوقّف العمل التنموي في أكثريتها، اذ حصل فيها شغور نتيجة وفاة بعض الأعضاء أو الخلافات الداخلية، ويُشكّل التراخي في إدارة الشؤون البلدية آفة واسعة الانتشار في مختلف مناطق لبنان وطوائفه. لذلك تدخل “القوات” إلى هذه الانتخابات بأهداف أساسية وثانوية، التنمية هي الأساسية وربما تعتبر أفضل دعاية لعمل “القوات” السياسي الاصلاحي، ولعل مأخذها الدائم كان نسيان بعض رؤساء البلديات وأعضائها لجميع القضايا التنموية ما إن يصلوا إلى سدة المسؤولية، بل ينسون كل المشكلات التي يعاني منها الناس.
وتعترف المصادر القواتية بأنها وضعت شبكة تحالفات دقيقة لتحقيق النجاح في أكثرية المدن والبلدات والقرى التي تتضمن قاعدة شعبية كبيرة لها، وتتعامل مع كل بلدية ومدينة بناء على سياقها الخاص، بطريقة تُعزز النتائج التنموية إلى أقصى حد من دون أن تتعارض بالضرورة مع التمثيل الحزبي.
أبرز التحالفات القواتية تبدأ من قضاء زغرتا مع “حركة الاستقلال” برئاسة ميشال معوض، وشخصيات سياسية مثل جواد بولس، صعوداً نحو قضاء بشري تبدو النتيجة مضمونة لمصلحة “القوات” على الأقل في 11 قرية، وفي البترون نسجت تحالفاً مع مجد حرب و”الكتائب”، مروراً بجبيل حيث الحضور القواتي إلى جانب بعض الفعاليات والعائلات السياسية قويّ جداً. بالنسبة إلى كسروان وجونية المعقل السياسي للمسيحيين الموارنة، تحالفت “القوات” مع “الكتائب”، والنائب نعمة أفرام، والنائب السابق منصور غانم البون، وكل التقديرات تشير إلى فوز شبه مضمون. أما في المتن فستكون المعارك طاحنة وحتماً تحالف “القوات” و”الكتائب” وبعض العائلات النافذة في مواجهة ميشال المر من جهة و”التيار الوطني الحر” من جهة أخرى.
وتتمتع المعركة في الانتخابات البلدية في بيروت بخصوصية معيّنة، تحتل فيها مسألة ضمان المناصفة في المجلس البلدي شاغلاً رئيسياً، للمحافظة على التمثيل المسيحي في إطار متوازن مع الطرف المسلم، علماً أن رئيس تيار “المستقبل” سعد الحريري أعلن عدم مشاركة “التيار” في الانتخابات البلدية، لذا تسعى “القوات” إلى حشد أكبر تحالف مسيحي مؤلف من “الكتائب” والأرمن و”التيار الوطني الحر”، وهو المكان الوحيد الذي قد يشهد تحالفاً لـ”القوات” مع الأخير. وقد يشكّل تحالف معراب مع النائب فؤاد مخزومي والأحباش في بيروت رافعة لإنتخاب مجلس بلدي متوازن في بيروت. علماً أن هناك رغبة لدى الأحزاب المسيحية في تعديل القانون لضمان التمثيل النسبي حسب الأحياء في بيروت، كما هو الحال في باريس.
ومن المدن المسيحية الكبيرة التي تحتل مكانة مهمة في استراتيجية “القوات” في الانتخابات البلدية، تبدو معركة زحلة متقدّمة جداً بعد تحالف “القوات” مع “الكتلة الشعبية” برئاسة ميريام سكاف وبعض العائلات الكبيرة هناك. وليس بعيداً يبدو هناك سيطرة لـ”القوات” في منطقة دير الأحمر في البقاع الشمالي، حيث تواجه منافسة سياسية ضئيلة.
لا شك في أن أنظار معراب تتجه إلى رئاسة اتحاد البلديات في الأقضية والمدن الكبيرة، وهذا كلّه سيمنحها القدرة على تنفيذ مشاريع تنموية في المناطق تنعكس إيجاباً على المواطنين، وتعتبر كخطوة تطويرية للعمل الاداري اللامركزي الذي قد يُمهّد لإقرار مشروع اللامركزية الادارية المقرّر في اتفاق الطائف.
ترى مصادر “القوات” أن نجاح العمل البلدي يصبح مضموناً أكثر إذا تحرر الناخبون من الروابط العائلية لمصلحة البرامج الانتخابية التنموية. وهي تعمل على تعزيز ثقافة ديموقراطية، والإلمام بالعمل السياسي، لأنه وحده يؤمّن التغيير الهادف عبر عملية تراكمية، وليس ثورة مفاجئة.
في موازاة ذلك، يظهر “التيار الوطني الحر” المنافس الأساسي لـ”القوات” في المناطق المسيحية غير متماسك إذ لا يزال يعاني من الانقسامات الداخلية والاستقالات، ولا يُمكن إغفال أن الانتخابات البلدية تعطي لمحة أوليّة عن المشهد السياسي المسيحي قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة، فهل نحن في صدد تسونامي قواتيّ في المناطق المسيحية على طول الخريطة اللبنانية؟
جورج حايك
لبنان الكبير
انضم الى freedom news عبر الواتساب على هذا الرابط👇
https://chat.whatsapp.com/BpMehRVvMKV3xifJv14oEb