
من هورس شو إلى روسا … لا يزال الفن مستمراً
مع كل ضربة فرشاة تتصادم مشاعر جارفة تكمن في أعماق اللاوعي، وأمام تلك الألوان، تتحرر القيود.
فما إن يطول النظر الى لوحة، حتى يجد الإنسان نفسه يلتمس زوايا روحه المنسية. وفي هذا السياق تأتي اللوحات الفنية السريالية للفنانة لميا خوري كمختبر حي، تتفاعل فيه الأحاسيس مع الغرائز وتتقاطع فيه الأفكار في لحظات شعورية كثيفة تعرض هذه اللوحات في مقهى روسا في الحمرا كميدالية تستحضر ذكرايات من تاريخ هذا المكان. كان يدعى سابقًا هورس شو ” Horseshoe” كما كان ملتقى للفنانين والأدباء والصحفيين في منتصف قرن الماضي. ومن أبرز رواده كان الشاعر خليل حاوي، والروائي توفيق يوسف عواد، كما شهد هذا المقهى جلسات طويلة احتدمت فيها النقاشات الفكرية، وتقاطعت فيها المسارات الأدبية والسياسية، فشكل بذلك معبراً زمنياً بين الماضي والحاضر. وفي محاولة لفهم أعمق لأبعاد هذه التجربة الفنية، تم إجراء مقابلة مع الفنانة لميا خوري، بهدف تسليط الضوء على خلفيات اللوحات المعروضة، والرسائل التي تحملها، والرموز التي تملأ فضاءها البصري. فتلك الأعمال التي تبدو للوهلة الأولى غامضة، تحمل في طياتها طبقات من المعاني المرتبطة بالواقع اللبناني، وتجربة الفنانة الذاتية، ورؤيتها لمستقبل لا يزال رغم كل شيء، يحمل بذور الأمل.
لوحات لميا خوري، وهي تتدلى على جدران المقهى، لا تكتفي بعرض جماليات فنية فحسب، بل تعيد إحياء ذاكرة المكان، كأنها تنفض الغبار عن أزقة بيروت الثقافية المنسية تنساب تفاصيلها برموز تتخطى الإدراك المباشر، فتطرح تساؤلات حول الهوية، والانتماء، وتحاكي الإنسان الباحث عن ذاته وسط فوضى العالم. واللافت في هذه الأعمال هو الاستخدام الطاغي للون الأزرق، الذي تعتبره الفنانة رمزا للأمل، حتى في أكثر المواضيع قسوة. ففي لوحاتها التي تناولت الحرب الدموية التي اجتاحت لبنان العام الماضي، وانفجار مرفأ بيروت، وسلسلة الأزمات والكوارث التي توالت، لم تستسلم لمجرد توثيق الألم، بل مزجت الرماد بالضوء، والدمار بالرجاء. وكأن اللون الأزرق في كل لوحة مهما بلغت سوداويتها، يهمس بأن اليأس ليس النهاية، وأن الخراب مهما طال، لا يلغي إمكانية النهوض من جديد. بهذه المقاربة السريالية، تحول الألم إلى فعل فني مقاوم، لا يرثي الوطن بل يؤمن بإمكانية شفائه. وفي حديثها عن تجربتها، أوضحت لميا خوري أنها محامية تعمل طوال النهار، وبعد يوم طويل من العمل، تعود إلى منزلها لتجد في الرسم متنفساً وملاذاً تعبر من خلاله عن ذاتها في معرض حديثها عن
التحديات التي صادفتها في تجربتها الفنية، أشارت لميا خوري أولا إلى ما يُعرف بـ “Syndrome de ” وهي حالة تواجه فيها صعوبة في البدء بالرسم، رغم وجود فكرة أو مشاعر تريد la toile blanche
التعبير عنها. ووصفت هذه اللحظات بأنها مربكة ومتكررة شبيهة بما يواجهه الكتاب أمام الورقة الفارغة، حيث لا يعرف الإنسان من أين يبدأ. كما ذكرت أن من أبرز التحديات التي واجهتها في عرض أعمالها كانت الأوضاع الأمنية المتوترة خلال عام 2024، حيث شهدت البلاد غارات إسرائيلية استهدفت مناطق عدة، بما في ذلك بيروت. وقد تزامن ذلك مع أحد معارضها، مما أثر بشكل مباشر على الإقبال، إذ لم يتمكن كثيرون من زيارة المعرض بسبب المخاوف الأمنية والقلق الذي ساد تلك الفترة.
ختامًا، تعكس لوحات لميا خوري تلاقي الألم بالأمل، والذاكرة بالحلم، في صورة فنية تنبض بالحياة وسط واقع مليء بالتحديات فبين فرشاة الفنانة وقماش اللوحة، يتحوّل التاريخ الشخصي والجماعي إلى لغة بصرية صامتة تحكي حكاية لبنان في لحظات مأساوية وأيضًا في لحظات الرجاء. إن هذه الأعمال ليست فقط تجسيدا لفن تشكيلي، بل هي دعوة صامتة للتمعن والتأمل.
انضم الى freedom news عبر الواتساب على هذا الرابط👇