
في وقتٍ تتكثّف فيه المؤشرات الإقليمية على اقتراب مرحلة مفصلية، وتضيق هوامش المناورة أمام القوى اللبنانية، يعود شبح الإرهاب ليخيّم على الداخل من بوابة الخلايا النائمة والتسلل المنظم عبر الحدود السورية. توقيفات أمنية متلاحقة، مداهمات بقاعية، واستنفار متصاعد لـ”حزب الله”، كلها ترسم صورة بلد يقف على شفير اشتباك واسع، تتداخل فيه الجغرافيا مع حسابات التسويات الكبرى.
خلايا تتساقط… وخطر يتنقّل
في أقل من أسبوع، أعلن الجيش اللبناني توقيف خمسة أشخاص – ثلاثة لبنانيين، سوري، وعراقي – بتهمة تشكيل خلية إرهابية. وقبل ذلك، في 24 تموز، أحبطت مديرية المخابرات مخططًا لاستهداف المؤسسة العسكرية، تقف خلفه مجموعة لبنانية مرتبطة بجهات خارجية.
لكن التطور الأخطر كان في صيدا: شابان سوريان تسللا إلى لبنان بعد سقوط النظام السوري، استقرا في المدينة، وشرعا في التخطيط لتنفيذ تفجير يستهدف تجمعات مدنية في الضاحية الجنوبية بواسطة دراجة نارية مفخخة. العملية الاستباقية التي نفذها الجيش اللبناني لم تُحبط فقط الهجوم، بل أعادت التذكير بأن خطر الإرهاب العابر للحدود لم ينتهِ، بل يتغذّى من الفراغ الأمني في جنوب سوريا.
البقاع يتحرّك… و”الحزب” يفعّل خطط الطوارئ
على خط موازٍ، نفّذ الجيش سلسلة مداهمات في قرى بقاعية حدودية، أدت إلى توقيف عشرات السوريين. ورغم تباين الروايات حول الخلفيات، بين جرمية وأمنية، أفادت مصادر بقاعية لموقع “الكلمة أونلاين” أن كوادر من “حزب الله” تواصلوا مع أهالٍ في بعض القرى الحدودية، طالبين منهم الاستعداد لاحتمال إخلاء منازلهم “في ساعة الصفر”، خشية استهدافها بقصف سوري.
وبحسب المصادر، جرى أيضًا طلب استخدام منازل أخرى تُعتبر “استراتيجية” عسكريًا في حال اندلاع مواجهة. هذا التحرك الميداني لا يبدو معزولًا عن احتمال تصعيد في الجنوب اللبناني، أو عن التبدلات السريعة في المشهد السوري، حيث تتقاطع خطوط النار مع خرائط النفوذ الإقليمي والدولي.
باكو تكشف المستور: لقاء أمني سوري – إسرائيلي
في السياق نفسه كشفت مصادر دبلوماسية للموقع نفسه عن مجريات لقاء سوري – إسرائيلي عُقد في العاصمة الأذربيجانية باكو، تناول ملفات السويداء، الانتشار العسكري في الجنوب السوري، والوضع اللبناني.
الوفد السوري طالب بإعادة السيطرة الكاملة على السويداء، فجاءه الرد الإسرائيلي: “ادخلوا إن استطعتم”، في إشارة إلى قبول ضمني مشروط بعدم المساس بالمصالح الإسرائيلية. أعقب ذلك إرسال تعزيزات من دمشق، ردّت عليها إسرائيل بتدخل عسكري محدود، قبل أن تتدخل واشنطن لفرض تهدئة مرحلية.
وبين المقترحات الإسرائيلية، برزت صيغة “تطبيع أمني ناعم”، تقضي بالسماح بانتشار محدود للقوات الإسرائيلية خارج الجولان لخمس سنوات، مقابل فتح مكتب إسرائيلي غير رسمي في دمشق.
“حزب الله” على الطاولة… وسوريا تماطل
بحسب المصادر، كان “حزب الله” في صلب النقاش. إذ سأل الوفد الإسرائيلي عن سبب تباطؤ النظام السوري الجديد في التصدي للحزب، فجاء الجواب: “لم يحن الوقت بعد”، مع تأكيد أن الأولوية حالياً لمعالجة الملفين الكردي والدرزي، على أن يُفتح الملف اللبناني لاحقًا.
ورغم عدم وجود مؤشرات على نية سورية حالية للاصطدام بالحزب، إلا أن وضع سلاح “حزب الله” على طاولة المفاوضات، وإن بصيغة مرنة، يؤكد أن ما بعد الحرب السورية ليس كما قبلها، وأن الثوابت القديمة تنهار تدريجًا تحت وقع المقايضات.
أوراق دمشق في بيروت: اللاجئون والعناصر الأجنبية
وفق ما رأت مصادر مطلعة على جو “حزب الله” لـ “الكلمة أونلاين”، فإن حارة حريك تعتبر أن الرئيس السوري أحمد الشرع يمتلك أوراق ضغط حيوية داخل الساحة اللبنانية، أبرزها:
• ملف اللاجئين: حيث يشكّل السوريون المقيمون في لبنان كتلة ديموغرافية لا يمكن تجاهلها.
• الفراغ السني: في ظل غياب زعامة جامعة للسنة، يبرز الشرع كلاعب محتمل يستهوي بعض الأوساط السنية، خصوصاً في الشمال والبقاع.
لكن الملف الأخطر هو ما يُعرف بـ”العناصر الأجنبية”، أي المقاتلين غير السوريين الذين قاتلوا إلى جانب الشرع ضد النظام السابق. هؤلاء يشكّلون عبئاً داخليًا على دمشق، ويطالب المجتمع الدولي بإعادة دمجهم أو ترحيلهم. ويبدو أن النظام يفكّر بتصديرهم إلى لبنان، لضرب عصفورين بحجر: التخلّص منهم، وفي الوقت نفسه إرباك “حزب الله” في ساحته الأكثر حساسية.
لبنان على حافة لحظة انفجار
في ظل هذا المشهد، يُطرح السؤال الكبير: هل اقتربت لحظة الصدام؟ وهل نحن أمام تحضير ميداني لحرب من نوع جديد، تبدأ من البقاع وتمتد جنوبًا، بمشاركة سورية وبغطاء أميركي، فيما تُترك المقاومة لمصيرها؟
كل المؤشرات – من التوقيفات، إلى التحضيرات الميدانية، فاللقاءات الدولية في باكو – توحي بأن لبنان دخل مجددًا في قلب العاصفة… لكنه، كعادته، يتمنّى أن تمرّ العاصفة هذه المرّة أيضًا، من دون أن تقتلع ما تبقّى من الدولة.
الكلمة أونلاين
محمد شمس الدين
انضم الى freedom news عبر الواتساب على هذا الرابط👇