

يا لها من مفارقة! أن تُستبدل جادة حافظ الأسد بجادة زياد الرحباني هو قرار يضرب في عمق الرمزية السياسية والثقافية في لبنان. فمن جهة، حافظ الأسد رمز لنظام عربي استبدادي، ارتبط اسمه في الوعي اللبناني، لا سيما عند شريحة واسعة، بالقمع والوصاية والاغتيالات، وبسنوات من التدخل السوري في لبنان، الذي ترك ندوبًا عميقة في الحياة السياسية ومجمل مجالات الحياة عند اللبنانيين.
ومن جهة أخرى، زياد الرحباني هو ابن المدرسة الرحبانية الحُرة، المثقفة، الساخرة، والتي عبّرت عن الناس، ونفرت من الزعيم المتأله. هو ابن فيروز التي بقيت فوق كل محاور الصراع، وصوتها الساحر شقّ سماء العروبة. فهذا القرار أشبه بانقلاب رمزي صامت. قرار ينحي المرحلة السابقة المستبدة ويقول: الثقافة أقوى من الديكتاتورية، والفنان الساخر أهم من الطاغية. إنه المشهد اللبناني في أقصى تناقضاته وجماله وسحره.
ولم تكن هناك شخصية قادرة على انتزاع اسم حافظ الأسد من شارع لبناني دون أن تُشعل انقسامًا أو تثير حساسية سياسية، سوى زياد الرحباني. فزياد ليس مجرد فنان أو موسيقي، بل هو حالة وطنية جامعة، تتقاطع حولها مشاعر اللبنانيين على اختلاف طوائفهم ومواقفهم. فبينما يحمل اسم الأسد إرثًا من القمع والوصاية في ذاكرة شريحة واسعة من اللبنانيين، يأتي اسم زياد محمّلًا بخفة الظل، وصدق التعبير، ونبرة السخرية التي طالما قالت ما لم يجرؤ عليه أحد. بهذا المعنى، لم يكن القرار مجرّد استبدال اسم، بل اختيارًا لشخصية محبوبة تُحيّد الخلاف وتفرض الاحترام.
مات الديكتاتور.. وأسدل الستار!
تعليقًا على القرار، صرّح الأستاذ حارث سليمان لموقع “جنوبية” بالقول: “استبدلنا أسوأ ما في تاريخنا بأجمل ما في تاريخنا”، وأشار إلى أن القرار يدل على “جمالية”، فهو “ليس سياسيًا فقط، بل قرار إبداعي يعيد تصويب التاريخ والثقافة”. ويعتبر سليمان أن هذا القرار يُضاهي في أهميته قرار تكليف الجيش إعداد خطة لحصر السلاح.
واعتبر سليمان أن “إزالة كابوس حافظ الأسد من مشهدية بيروت هو عمل عظيم، وإنصاف لكل ضحايا الأسد في سوريا ولبنان والأردن وفلسطين وتركيا والعراق”. أما عن دلالات القرار، فيشير سليمان إلى أننا كنا نعيش في حقبة هيمنة، وكان هناك “خازوق حُشر في لبنان طيلة عقود وعلى مدى أرجاء الوطن، وجاء الوقت الذي استطاع فيه اللبنانيون أن يقتلعوا هذا الخازوق أو المسمار في القلب، وقمنا باستبدال هذا الجسم المشوَّه بطاقة إبداعية فنية”.
هذا و قد وافق مجلس الوزراء اللبناني، الثلاثاء، على تعديل اسم الشارع الممتد من طريق المطار باتجاه نفق سليم سلام من “جادة حافظ الأسد” إلى “جادة زياد الرحباني”؛ تكريماً للموسيقار والمسرحي الراحل.
وقال وزير الإعلام اللبناني بول مرقص، عقب اجتماع مجلس الوزراء، الثلاثاء، إن الرئيس جوزاف عون هو الذي تقدم بطلب للمجلس بهذا التعديل، مشيراً إلى أن المجلس طلب من وزير الداخلية إتمام الإجراءات اللازمة بهذا الشأن.
وبعد وفاة الرحباني في 26 يوليو، دشن نشطاء ومثقفون حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لإطلاق اسمه على شارع من شوارع الحمرا التي عاش فيها لسنوات.
انضم الى freedom news عبر الواتساب على هذا الرابط👇



