
خاص freedom news
تتحرّك الحياة السياسية باكراً نحو انتخابات 2026، ومعها بدأت تظهر مؤشرات جدّية على أن المشهد الانتخابي المقبل سيكون مختلفاً جذرياً عن كل ما سبقه.
وفي قلب هذا التحوّل، يبرز رئيس حزب الكتائب اللبنانية سامي الجميل، الذي يبدو أنه يعدّ لخطة انتخابية هجومية، مبنية على مزيج من التموضع المعارض، والواقعية التنظيمية، والانفتاح على رجال الأعمال المحليين في مختلف الدوائر، في محاولة لتوسيع القاعدة الكتائبية وتأمين حواصل مضمونة في أكثر من منطقة.
هذه المقاربة الجديدة لا تخفي تشابهاً لافتاً مع الأسلوب الذي اعتمده الوزير السابق جبران باسيل عام 2018، عندما أدار الانتخابات النيابية آنذاك وفق استراتيجية “المجموعة الاقتصادية – السياسية”، مستنداً إلى دعم رجال أعمال ومتمولين في المناطق، ما سمح له برفع الحواصل وتحقيق اختراقات في دوائر كانت صعبة على التيار الوطني الحر.
لكن ما بين 2018 و2026، تغيّر الكثير.
فالمعادلة التي كانت تميل لصالح “تحالف المال والنفوذ”، لم تعد قائمة في بلد يعيش انهياراً اقتصادياً وشعبياً وسياسياً عميقاً، جعل الناس أكثر حساسية تجاه ظاهرة “المال السياسي”، وأكثر وعياً لما أنتجته تجربة باسيل من نتائج سلبية بعد فوزه الكبير في تلك المرحلة.
من نجاح انتخابي إلى تفكّك سياسي
عندما خاض باسيل انتخابات 2018، راهن على أن استقطاب رجال أعمال وشخصيات ثرية من خارج النواة الحزبية سيُعزّز مكانة التيار داخل المجلس النيابي. وبالفعل، ساهم هؤلاء في تمويل الماكينات، وتنشيط الأرض، وتعبئة الناخبين في القرى والبلدات، ما أوصل عدداً كبيراً من النواب إلى الندوة البرلمانية تحت مظلة “تكتل لبنان القوي”.
غير أنّ هذا النجاح سرعان ما تحوّل إلى عبء سياسي على التيار، إذ لم تمرّ أشهر حتى بدأ عدد من هؤلاء النواب يبتعدون عن باسيل، إمّا بهدوء أو بانشقاق صريح، بعد أن اكتشفوا أنّ العلاقة مع القيادة لم تكن متكافئة، وأنهم يُعاملون كـ“ملحقين تمويليين” لا كشركاء سياسيين.
فخلال الدورة النيابية، خرج من التكتل نواب مثل ميشال ضاهر، شامل روكز، نعمة افرام، والياس بو صعب الذي اتخذ موقعاً رمادياً بين الانضباط الحزبي والاستقلالية، إلى جانب أسماء أخرى تمايزت في المواقف والتصويت.
والنتيجة أن تجربة “تحالف رأس المال مع التنظيم السياسي” أثبتت هشاشتها، إذ تفكك التكتل تدريجياً بمجرد اهتزاز التوازن بين المصالح والولاءات.
الجميل: دروس مستخلصة واستراتيجية جديدة
في المقابل، يبدو أن سامي الجميل يقرأ تلك التجربة جيداً، ويسعى إلى تفادي أخطائها. فهو لا يريد استقطاب رجال الأعمال فقط لتمويل الحملات، بل يحاول بناء شبكة تحالفات مناطقية ذات بعد سياسي واضح، تقوم على التفاهم في الرؤية والنهج، لا على تبادل المنافع الانتخابية.
مصادر مطّلعة على أجواء الصيف الكتائبي تؤكد أن اتصالات مكثفة جرت خلال الأشهر الماضية مع وجوه اقتصادية واجتماعية في المتن وزحلة والبقاع الغربي وكسروان، وبعض الشخصيات المستقلة في الشمال، في إطار ما يشبه “التحضير الباكر للماكينات”.
ويبدو أن الجميل يراهن على ثلاث نقاط أساسية:
1. تقديم الكتائب كمنبر وطني معارض نظيف، في مواجهة أحزاب تراجعت شعبيتها بسبب ارتباطها بالسلطة والمنظومة.
2. استثمار الحضور المالي لرجال الأعمال في دعم العمل الميداني والإعلامي، دون السماح بتحويل التحالف إلى شراكة مصلحية قصيرة الأمد.
3. إعادة إنتاج صورة الحزب كإطار سياسي حديث ومنفتح، يضم كادرات حزبية تقليدية ووجوهاً جديدة غير متورطة في النظام السابق.
بهذا المعنى، لا يسعى الجميل إلى استنساخ تجربة باسيل بالكامل، بل إلى استعارة أدواتها فقط – التمويل، الانفتاح، التمدد المناطقي – مع محاولة الحفاظ على روح الحزب واستقلاليته.
بين الواقعية والهوية
في بلدٍ تزداد فيه كلفة العمل الانتخابي بشكل خرافي، وتضعف فيه قدرة الأحزاب على تغطية الماكينات بسبب الانهيار المالي، يبدو الانفتاح على رجال الأعمال خياراً واقعياً لا مفرّ منه.
لكن الجميل يدرك أن الكلفة السياسية لهذا الخيار عالية أيضاً:
فمن يدخل عبر باب المال، قد يخرج من نافذة المصلحة في أول أزمة أو خلاف.
لذلك، يبني حزب الكتائب اليوم منظومة علاقات مزدوجة: حزبية – مناطقية من جهة، وشراكات مصلحية محسوبة من جهة أخرى.
وهو يحرص على أن تبقى القيادة المركزية ممسكة بالقرار، لا أن تتكرّر تجربة “التكتل المبعثر” الذي عانى منه باسيل بعد 2018.
الخلاصة
ما بين تجربة باسيل التي بدأت بزخم وانتهت بانشقاقات، وتجربة الجميل التي تُبنى على الحذر والانفتاح المدروس، يقف المشهد السياسي على عتبة اختبار جديد في 2026:
هل تنجح الكتائب في مضاعفة حواصلها عبر تحالفات مالية – مناطقية دون أن تفقد روحها التنظيمية؟
أم أن المال، مهما كانت نواياه نظيفة، سيعيد إنتاج الخلل نفسه الذي أطاح بتجارب سابقة؟
الجواب، كما العادة في لبنان، لن يُعرف إلا عند فتح الصناديق…
لكن المؤكد أن سامي الجميل دخل اللعبة بلغة جديدة، أكثر براغماتية، وأكثر إدراكاً لما علّمته انتخابات 2018 لكل من خاضها:
أن رأس المال يمكن أن يشتري الأصوات، لكنه لا يشتري الثبات السياسي.
انضم الى freedom news عبر الواتساب على هذا الرابط👇