

منذ رحيل الزعيم إيلي سكاف وابتعاد آل فتوش عن المشهد السياسي، لم تتقبّل زحلة بسهولة أيّ “زعيم طارئ” يحاول أن يملأ الفراغ. فكلّ من دخل الساحة من خارج نسيجها التاريخي والسياسي، مهما امتلك من إمكانات مالية أو حملات ترويجية، اكتشف سريعاً أنّ الزعامة في زحلة لا تُشترى، وأنّ قرارها لا يُصنع في المكاتب أو عبر الصفقات، بل يتكوّن في ضمير مدينة تعتبر نفسها جزءاً من هوية وطنية وسيادية لا تُساوَم عليها.
على مدى السنوات الأخيرة، حاولت بعض الشخصيات الاقتصادية أن تتحوّل إلى مرجعية سياسية، مستندة إلى خطاب إنمائي عام، لكنّها لم تنجح في ترجمة حضورها النيابي إلى نفوذ شعبي حقيقي. فزحلة، التي تمرّست في التمييز بين “الخدمة” و“الاستثمار السياسي”، لم تنجذب إلى التجارب الفردية التي افتقدت البعد الوطني والسيادي، وسرعان ما تلاشى بريقها مع أول اختبار جدّي.
منذ انتخابات 2018، تكرّس هذا الواقع: المشاريع الخارجة عن الإطار الحزبي المنظّم، خصوصاً تلك التي حاولت الجمع بين الخطاب الاقتصادي الحيادي والموقع النيابي المستقلّ، لم تستطع أن تصمد أمام وعي زحلاوي يربط السياسة بالثبات الوطني لا بالمصالح المتقلّبة. واليوم، مع اقتراب استحقاق 2026، تتقدّم القوات اللبنانية بثبات، مستفيدة من تماسكها التنظيمي ومن صورةٍ تعتبرها الأوساط الزحلاوية ترجمة حقيقية لالتزام المدينة بخطّ سيادي واضح، لا يُبدَّل بتبدّل الظروف.
في المقابل، يحاول التيار الوطني الحرّ إعادة التموضع عبر تحالفات موضعية، فيما تتراجع المشاريع الفردية التي فقدت بريقها بعدما تبيّن أنّها لم تُقدّم رؤية سياسية متكاملة، بل مبادرات موسمية لا تعبّر عن العمق الوطني الذي يبحث عنه الزحلاويون.
زحلة، التي تختبر الطامحين إليها مع كلّ استحقاق، تكرّس اليوم مجدّداً معادلتها التاريخية: الزعامة فيها لا تُشترى بالمال ولا تُفرض بالدعاية، لأنّ قرارها ليس محلياً ضيقاً بل متجذّر في خيار سيادي ووطني واضح. فالمدينة التي واجهت كلّ محاولات الترويض عبر تاريخها، ما زالت تعرف كيف تميّز بين من يخدمها انطلاقاً من انتمائه الوطني، ومن يستخدمها سلّماً لمصالحه الخاصة.
ومع توسّع المشهد نحو البقاع الأوسط، يبرز الناخب السني كعامل ترجيح أساسي، بعدما أثبت في الاستحقاقات السابقة ميلاً واضحاً نحو الخيارات السياسية الثابتة والمتوازنة، القريبة من الخطّ الوطني . ومن المرجّح أن يساهم هذا المزاج في تعزيز حضور القوى المنظمة، وعلى رأسها القوات اللبنانية، ما يجعل من انتخابات 2026 محطة مفصلية في إعادة رسم الخريطة السياسية في البقاع.
وفي الخلاصة، لم تعد زحلة تُقاس بحجم الأصوات أو بعدد المقاعد، بل بصلابة قرارها الوطني. فهي مدينة السيادة التي لا تبيع قناعاتها، ولا تُبدّل انتماءها كلّما تبدّل المزاج العام. زحلة التي قاومت الإملاءات والصفقات، تختار اليوم كما في الأمس أن تكون في صفّ الثوابت، لا في صفّ الطارئين. ولهذا تبقى الزعامة فيها استحقاقاً تُمنحه المدينة لمن يشبهها: ثابت في وطنيّته، صادق في التزامه، ومؤمن بأنّ الكرامة السياسية في زحلة ليست شعاراً… بل هوية.
انضم الى freedom news عبر الواتساب على هذا الرابط👇



