أمن وقضاء

مولوي يُغيّر «ضباط النافعة»: من الإصلاح إلى مغارة الـ40 حرامي

مضى عام على تسيير نافعة الدكوانة من قبل عناصر وضباط قوى الأمن. ثلاثة رؤساء مصلحة تناوبوا على رئاستها بالوكالة. من العميد علي طه الذي وضعت معه على سكة المكننة وثبُتَ أنّ الإصلاح ممكن في الإدارة، إلى العقيد خالد يوسف الذي تحايل أعضاء الهيئة النافذون في عهده على منصة حجز المواعيد فأقاموا نظام حجوزات من خارج المنصة وهو ما كشفته «بيروت تايم» في مقال سابق لها، إلى الرائد محمد عيد، الذي يُخشى من أن يشكل عهده الضربة القاضية على فرصة الإصلاح في النافعة، مع استحداث نظام رشاوى جديد فيها بحجة تحسين وضع الموظفين.

«سنشهد مكافحة جدية للفساد مع كوكبة من الضباط والرتباء من قوى الأمن الداخلي لخدمة المواطنين والإدارة السليمة». قال وزير الداخلية بسام مولوي مع إعادة فتح النافعة في نيسان 2023. أما بالأفعال، فقد بدأت أول إقالة لرئيس المصلحة بالوكالة، في لحظة حرجة كان العميد علي طه يشكل فيها رأس حربة إن بوجه الموظفين القدامى المتهمين بنظام فساد ممنهج وعلى رأسهم رئيسة الهيئة هدى سلوم ورئيس مصلحة تسجيل السيارات أيمن عبد الغفور، أو شركة «إنكربت» الملزمة تشغيل نظام المعلوماتية فيها من دون عقد.

وضع النافعة يزداد حرجاً اليوم، مع إعادة تكريس فكرة مغارة علي بابا والـ40 حرامي فيها. ففي 17 آذار الماضي، أضافت هيئة إدارة السير، يوماً على أيام خدمات نافعة- الدكوانة، لم يكن إلا خطاً عسكرياً لمعارض السيارات، وتقاسماً للرشوة بين الإدارة والمعارض من جيوب المواطنين لتمرير معاملاتهم، وذلك بعد أيام فقط على تعيين الرئيس الحالي للمصلحة، الرائد محمد عيد.

فهل نكس الوزير بوعده للمواطنين بمكافحة الإصلاح؟ والسؤال الأخطر: هل تخسر النافعة معركة الإصلاح في عهد عيد؟

 

 

عهد الاصلاح

 

ويمكن اختصار عام على تسيير النافعة من قبل القوى الأمنية في ظل رئاسة هيئة إدارة السير بالتكليف من قبل محافظ بيروت القاضي مروان عبود، بثلاثة عهود تختصر مشوار الإصلاح وإفساده في آنٍ معاً.

والبداية من عهد الإصلاح مع العميد علي طه. ففي الأسبوع الأول من نيسان 2023، أعيد فتح النافعة بعد أشهر على إقفالها، مع 15 شخصاً بين عنصر وضابط في قوى الأمن، تدربوا بشكل قياسي لتسيير العمل فيها.

وبشكل قياسي كذلك، بدأت ورشة الإصلاح، ووضع أول حجر أساس نحو المكننة باستحداث منصة حجز مواعيد، أطاحت بنظام الطوابير، المسبّب الأول للرشاوى.

أزعج الإصلاح الموظفين القدامى وشركة «إنكربت» المشغّلة لنظام المعلوماتية وخلفها مشغلوها، من بقايا الحريرية السياسية، فانقضّوا على الإصلاح بتوقيت وتواطئ مشترك: ففي وقت كان الموظفون القدامى المتهمون بالفساد يضغطون على المحافظ عبود لإعادتهم للمصلحة، كانت شركة «إنكربت» تعطّل العمل فيها، بحجة مستحقات لها بالدولار، قبل أن ينصف ديوان المحاسبة الدولة اللبنانية ضدّ «إنكربت»، ويطالب بمحاسبتها قانونياً على تعطيلها مرفقاً عاماً والتسبّب بالضرّر على الخزينة اللبنانية.

في هذه اللحظة بالذات، كان العميد علي طه، رئيس مصلحة تسجيل السيارات-النافعة بالوكالة، رأس حربة ضدّ مخطّط «إنكربت» والموظفين القدامى، وعوض تثبيت «ضابط الحرب»، ما كان من الوزير مولوي إلا أن أقال العميد طه. ليتنفّس الموظفون القدامى الصعداء، ومثلهم «إنكربت»، وكانت هذه لحظة حاسمة في مسار عودة عقارب النافعة إلى الوراء.

 

عهد النظام الموازي للمنصة

 

أتى العقيد خالد يوسف، في وقت كان بعض أعضاء هيئة إدارة السير بالوكالة يجهزون قبضتهم على النافعة، ويستحدثون نظام تنفيعات فيها.

فصحيح أنّ العميد طه غادرها، لكنه ترك خلفه نظام مكننة كرّس الإصلاح فيها بمعزل عن مشغليها، فلم يكن أمام الفاسدين في هيئة إدارة السير، إلا الإطاحة بمنصة حجز المواعيد tmo.gov.lb، من خلال نظام حجز موازٍ، تقاسموا من خلاله مواعيد من خارج المنصة عبر «كوتا» بينهم، وزعوها لصالح مواطنين محظيين، وكان العقيد يوسف، رئيس المصلحة بالوكالة، ضعيفاً في المواجهة.

 

عهد تواطؤ المعارض والهيئة

 

في آذار الماضي، أعلنت هيئة إدارة السير عن إضافة يوم عمل جديد في النافعة، هو الاثنين، تبيّن أنّه استحدث ليُخصّص لأصحاب معارض السيارات المستعملة والمستوردة ليسجلوا السيارات التي يبيعونها في معارضهم بالوكالة عن أصحابها، من خارج منصة حجز المواعيد Tmo.gov.lb، في انتفاع مباشر لأصحاب المعارض، عبر رشوة علنية تُدفع من جيب المواطن، صاحب السيارة، وقدرها 50 دولاراً، «بدل كشف» على السيارة، شكّل قطبة مخفية، تفكّك مصادر «بيروت تايم» عُقَدها.

ففي وقت أوحى أصحاب المعارض أنّ مبلغ الـ50 دولاراً، يذهب لصندوق نقابة أصحاب معارض السيارات، تكشف معلومات مطلعة لـ«بيروت تايم» أنّه يذهب مباشرة لإدارة هيئة إدارة السير، التي توزّع بدورها قسماً منه لموظفي النافعة، من مدنيين وعناصر أمنية (قرابة 60 موظفا)، على شكل بونات بنزين.

وتأتي هذه الرشوة، بعد أيام فقط من تعيين الرائد في قوى الأمن محمد عيد في النافعة كرئيس للمصلحة بالتكليف، ليوصم عهده بعهد “بونات البنزين”.

بونات بنزين

وإذا ما اعتبرنا أنّه في يوم عمل واحد، دخلت 100 سيارة عبر معارض السيارات للكشف عليها في النافعة، فإنّ “«الربح البرّاني» الذي تكون قد حققته النافعة من خارج القانون وخزينة الدولة هو 5000 آلاف دولاراً.

وتوزّع إدارة الهيئة تلك الأموال على شكل بونات بنزين للموظفين الذين يصرفونها في عدة محطات وقود، إحداهنّ في الدكوانة، علما أنّ المبلغ المالي الذي قد تدخره إدارة الهيئة لنفسها يبقى مجهولاً.

 

السماسرة يدخلون على الخط

سماسرة نافعة الدكوانة، دخلوا بدورهم على خطّ تلك «التجارة»، عبر نظام «المقايضة». فوفق معلومات «بيروت تايم»، فإنّ بعض الموظفين يفضّلون مقايضة بونات البنزين بأموال نقدية، تفادياً لشبهات إنكشاف أمر البونات تلك.

ويخسر الموظفون الذين يلجؤون لبيع بونات البنزين التي حصلوا عليها، القليل من المال جراء عملية المقايضة. فإذا كانت كل صفيحة (تنكة) بنزين تحوي 20 ليترا، فإنّ ثمن ثلاثة صفائح 60 دولاراً، قد يبيعه الموظف بـ50 دولاراً للسمسار، لقاء تجنيبه تعبئة سيارته بنفسه عبر ذلك البون مباشرة.

 

أرباح هائلة لأصحاب المعارض

 

 

خلال إجتماع لجنة الإقتصاد منذ أيام، تمّت مواجهة أحد أعضاء هيئة إدارة السير، برشوة الـ50 دولاراً من خارج الأصول القانونية، لكنها ما زالت سارية على قاعدة «لا حسيب ولا رقيب».

وتنطوي هذه الرشوة على جملة فضائح ومخالفات، أبرزها، إحتكار أصحاب المعارض للحجوزات لمدة يوم كامل، من خارج منصة أخذ المواعيد tmo.gov.lb. في تمييز فاضح بحق المواطنين. عدا عن أنّ هذه التمريرة بحد ذاتها، تطرح علامات استفهام حول طبيعة الإتفاق المعقود بين الهيئة ومعارض السيارات وقصة الـ50 دولاراً.

والفضيحة الأكبر، هي أنّ بعض المعارض إغتنى أصحابها من جراء هذا الإتفاق المشترك مع إدارة الهيئة. فبعضها تخطت أرباحه الـ20 ألف دولاراً في الشهر الواحد. فهناك خط عسكري ضمن الخط العسكري، يتخطى ربح الـ50 دولاراً. إذ أنّ هناك مبالغ تدفع، تصل إلى 300 دولاراً للمعرض عن السيارة الواحدة، ليضعها على لائحة السيارات التي يمررها للتسجيل في النافعة.

كما أنّ هذا المبلغ غير القانوني، فيه إستغلال من جهة أصحاب المعارض للدولة اللبنانية، إذ يهدف لتحقيق أرباح على حساب الخدمة التي من المفترض أن تقدّم للناس دون رسوم إضافية.

 

مخالفة قانونية

تبقى المسؤولية القانونية الواقعة على هيئة إدارة السير، باقتطاع مبلغ 50 دولاراً من المواطن عبر وسيط هو معارض السيارات، من خارج القانون والأصول، ودون الإستناد إلى قرار من وزير الداخلية، في مخالفة موصوفة للقانون، إذ لا يمكن فرض أي مبلغ على المواطن دون أن يكون مقونناً بقانون من مجلس النواب أو قرار وزاريّ.

وتبرّر إدارة الهيئة مخالفتها، بحجة «تسكيج العمل وتحسين شروط عمل الموظفين»، لكن لماذا لا تحسّن الهيئة شروط عمل الموظف وهو حق يضمنه القانون، فتحمي حقه دون إهانة المواطن بالمقابل؟لاسيّما وأنّ التمريرات غير القانونية وغير الشفافة، تطرح شكوكاً بالمستفيدين منها، وبتفاصيل تلك الإستفادة.

 

مولوي الغائب… إلّا عن إدعاء مكافحة الفساد

 

«نحن اليوم مع القضاء يداً بيد لمكافحة الفساد ولتكون لدينا إدارة سليمة، فهي الحجر الأساس في بناء الدولة التي نطمح لها». قال الوزير مولوي لدى إفتتاح النافعة العام الماضي، غامزاً من قناة الموظفين القدامى. لكن هل مشكلة مولوي محصورة بالموظفين القدامى؟ أم بالفساد نفسه؟

فإذا كان أعضاء هيئة إدارة السير الذين يؤسّسون لنظام فساد جديد في النافعة اليوم، هم بمثابة أدوات بشريّة للسلطة إلى جانب شركة «إنكربت» لتعطيل الإصلاح في النافعة، فإنّ السكوت عن إعادة النافعة للوراء هو بمثابة نسف لكل الجهود القضائية والإدارية لإصلاح هذا المرفق العام، وإعادتها الى سابق عهدها، وهذه المرة عن سابق تصور وتصميم، سيما وأن أحد هؤلاء هو مستشار للوزير ومقرب منه.

المصدر : بيروت تايم

Related Articles

Back to top button
error: Content is protected !!