أصدرت الكاتبة والروائية الدكتورة خلود التوم روايتها الأولى التي حملت عنوان: “33 يوماً.. حبّ تمّوز” (دار ألف ياء) استذكرت فيها يوميات الحرب بين “حزب الله” وإسرائيل والتي عاشها اللبنانيون صيف عام 2006 فيما عُرف بـ”حرب تمّوز” مع إضفاء الطابع الدرامي عليها من خلال سرد القصص التي رافقت الأحداث العسكرية والوقائع السياسية للحرب على مدى 33 يوماً.
وتأتي هذه الرواية بالتزامن مع الأحداث الأليمة التي يمرّ لبنان مجدّداً اليوم وكأنّ قاعدة “التاريخ يعيد نفسه” تنطبق اليوم كما هي على لبنان، حيث توثّق الكاتبة في روايتها واحدة من أصعب الفترات في تاريخ لبنان المعاصر والتي لم تترك آثارها فقط على المدن والقرى التي طالها الدمار بل حفرت عميقاً في العلاقات الإنسانية بين كافة المكوّنات اللبنانية، وكشفت عن تناقضات المجتمع وتحديات التعايش بين أفراده.
تطرح الرواية قصصاً من قلب الحرب، لكنّها لا تتوقف عند حدود المعارك والأسى، بل تغوص في تعقيدات العلاقات التي تتجاوز الانتماءات السياسية والدينية، ما يعكس نضجاً في الطرح الأدبي ومعالجة لقضايا غالباً ما تكون بمثابة “تابوهات” يتفادى المجتمع طرحها بعمق.
تفتح الكاتبة في روايتها أبواباً كانت موصدة أمام النقاش العام، فتخوض في مسائل تتعلق بالدين والإلحاد والجنس، وتطرح أسئلة حول الإيمان والتمسّك بالمبادئ أو التخلّي عنها في لحظات الضعف والوهن.
تشكّل قرية “عين الحور” محور القصة وهي قرية من نسج خيال الكاتبة، سكّانها مسيحيون مؤمنون ومحافظون يتميّزون بكرمهم وبساطتهم وإنسانيّتهم وحسن استقبالهم لضيوفهم، وكما في أي قرية لبنانية سواء كانت مختلطة طائفياً أم من صبغة واحدة، يبقى التنوّع السياسي والحزبي حاضراً بين سكانها فمنهم من ينتمي لحزب “القوات اللبنانية” ومنهم من “عونيون” من قدامى الجيش اللبناني ومنهم “الشيوعيون” واليساريون.
تعدّ “ريتا” الشخصية المحورية في الرواية وهي فتاة عشرينية مسيحية مؤمنة، تعيش قصة “مجنونة” مع ضابط في الجيش اللبناني يُدعى “صادق”، وتدور الأحداث بينهما على مدار الـ 33 يوماً لتكتشف بعدها ما إذا حقاً صادقاً أم لا، مع حوارات جريئة حول العديد من القضايا الشائكة من الإيمان والإلحاد إلى الجنس والجسد وغيرها، لتجعل “ريتا” تعيش العديد من التناقضات بين مبادئها ومعتقداتها وإيمانها وبين لحظات الضعف والخضوع للمشاعر والأحساسيس.
كما تسرد الرواية قصة حب أخرى تواجهها العديد من الحواجز المجتمعية، تدور حول امرأة من الطائفة الشيعية تدعى “فاطمة” حرمها طليقها من حضانة ابنتها، وقد نزحت من مدينتها إلى “عين الحور” بسبب الحرب، وطبيب مسيحي يُدعى “جورج” أحبّها وعشقها وأعلن استعداده لكسر كلّ القيود والحواجز المجتمعية والتقليدية ليتوّجا قصة حبّهما هذه وقد تخطّيا معاً كل الصعاب على الرغم من الأثمان المجتمعية التي سيدفعانها.
تتمّيز رواية “33 يوماً.. حبّ تموز” بجرأتها في تناول قضايا غالباً ما تكون خارج دائرة النقاش في المجتمع اللبناني، مثل الدين والجنس والإلحاد، إذ تتناول الكاتبة هذه المواضيع بموضوعية وعمق، عاكسةً التحديات التي يواجهها الأفراد في مجتمع متعدد الطوائف، حيث تلتقي العقائد وتتصادم، وتتحول المبادئ إلى نقاط اختبار. الرواية تقدم لمحة عن كيفية تعايش هذه الأفكار المتضاربة في زمن الحرب، حيث يصبح الإيمان والمعتقدات الشخصية عرضةً للتغيير والتأمل من جديد.
لقد تميّزت الكاتبة خلود التوم بأسلوب سرد يمزج بين البساطة والعمق وينقل القارئ إلى عوالم شخصياتها ليحمل معه عبق الهموم والأحلام التي تعيشها هذه الشخصيات. كما أظهرت تفاصيل الحياة اليومية في زمن الحرب والتحديات العاطفية بعين واقعية، تجعل القارئ يعيش التجربة بعمق ويفهم دوافع الشخصيات ومواقفها المختلفة، وذلك من خلال سرد شفاف ومباشر، تمكّنت من خلاله الكاتبة من استحضار أجواء الحرب وآثارها على الفرد والمجتمع.